في الآونة الأخيرة، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مشهد لعريس يطعم والدته في حفل زفافه، متجاهلاً العروس التي من المفترض أن تكون شريكته ورفيقة عمره. وبينما انهالت التعليقات المؤيدة والمنتشية بما رأوه من “بر بالوالدة”، نجد أن هذا المشهد يستحق التوقف عنده والتأمل بعيداً عن الشعارات المثالية والمظاهر المجتمعية التي باتت تتحكم في تصرفات الكثيرين.
بر الوالدين قيمة مقدسة لا تحتاج إلى إثبات أو استعراض أمام الناس، بل هي علاقة عميقة بين الإنسان ووالديه، قوامها الاحترام والتقدير اليومي في الأفعال الصغيرة قبل الكبيرة. من يبر والديه حقاً لا يحتاج إلى لحظة درامية أو لقطة مصورة ليؤكد هذا البر أمام الآخرين، لأن العلاقات الأسرية الحقيقية تبنى في الخفاء، وليس في أضواء المناسبات أو عدسات الكاميرات.
المشكلة لا تكمن في الفعل ذاته – فإطعام الأم فعل نبيل – لكن في التوقيت والطريقة التي تم بها هذا الفعل. حفل الزفاف مناسبة خاصة بالعروسين، يعلن فيها ارتباطهما ببعضهما البعض وبداية حياة جديدة. و تجاهل العروس في هذا الموقف، ولو لبضع دقائق، يحمل رسالة خاطئة ويضع بداية مشحونة بالتوتر بدلاً من التفاهم.
أرى أن البر الحقيقي يظهر في حياة الإنسان اليومية، في رعايته لوالديه حين يحتاجان إليه، وفي احترامه لهما في كل تفاصيل حياته. أما تحويل مثل هذه الأفعال إلى مشاهد استعراضية، فهو أمر يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءها. هل هو حب صادق للوالدين أم مجرد رغبة في نيل الإعجاب وجمع التعاطف؟
بالتأكيد لا أحد ينكر أهمية بر الوالدين أو يقلل من قيمته، لكن من الضروري التوازن بين هذه العلاقة المقدسة وبين الشراكة الزوجية التي تستدعي هي الأخرى الاحترام والتقدير المتبادل. فليس كل من يظهر بره أمام الناس براً حقاً، ولا كل من لم يُظهر ذلك ناكراً لجميل والديه. لكن للأسف تحرص دائماً السوشيال ميديا على تحويل كل شيء إلى ترند كالعادة .
من المهم أن يفرق جيداً كل فرد بين القيم الحقيقية وبين ما يُروج له كاستعراض لحظى .
وأخيراً ، البر فعل صامت ينبع من القلب، أما الاستعراض فلا يخدم أحداً سوى صاحبه.