ترند السعودية الان | الشباب أكثر تعصبا من “الشياب”! | حنان مبروك

من يتحرك ويحيى بوعي داخل المجتمع التونسي أو يتابع أيا من المجتمعات العربية التي تشاركنا الكثير من ملامح الهوية الثقافية والدينية، من السهل عليه أن يلاحظ التغيرات الكبيرة، البطيئة والمفاجئة، التي حلت بها، والتي تكشف عمق الهوة بين الشباب و”الشياب”، وأهمها أن الشباب اليوم أشد تعصبا وتشددا للرأي والموقف والعادة والوعي الجمعي أكثر من كبار السن.

أتأمل هذه الفكرة كثيرا، في كل مرة أرى هجوما إلكترونيا على أحد تمسك بوعيه الفردي وتمرد على الوعي الجمعي، فحتى حرية التعبير واللباس والكلام صارت محل سب وشتم.

من هذه الاختلافات الكبيرة، نظرة غالبية الشباب التونسي اليوم لموضوع الوشم، مقابل نظرة أجدادنا إليه.

الوشم، كان في مرحلة ما من تاريخ تونس المعاصر، من أهم وسائل التجميل لدى النساء، فتجدهن يزين وجوههن وأياديهن بوشوم أمازيغية مبهرة، وكذلك الرجال الذين يرسمون الوشم على أياديهم ويختارونه بدقة ويتباهون به بين أٌقرانهم.

الوشم يختزل جزءا مهما من هويتنا وتاريخنا الضارب في القدم كأمازيغ لهم خصوصيتهم الجمالية والتعبيرية، تعكسها الرموز المستوحاة من محيط القبائل والتي ترسم خصوصا على وجوه النساء.

ورغم أنه منذ خمسينيات القرن الماضي، مع بداية بناء الدولة، بدأت النظرة للوشم تتغير حيث تحول إلى نوع من الوصم الاجتماعي، وعلامة على التخلف والجهل، حتى إن بعض النساء قمن بنزعه من أجل الزواج، إلا أن المجتمع مع الانفتاح التكنولوجي والعولمة أعاد وضع هذه الزينة موضعها الطبيعي، وعاد الشباب للنظر إلى الوشوم الأمازيغية أنها موروث ثمين وجميل يجب أن نعتز به.

هذه النظرة، ظلت دائما نظرة تتشدق بها الغالبية، فاليوم لو جلست في مقهى أو مطعم أو مشيت في الشارع للمحت بسهولة النظرات المستنكرة لكل واشم أو واشمة، رغم أنهم لا يرسمون الأوشام على وجوههم كما الأجداد.

لا أحد اليوم يتقبل هذه الفكرة، رغم أنها تراث مثلها مثل اللباس التقليدي، والأكل التقليدي وكل ماهو موروث يميز هويتنا، هل تكون الأيديولوجيا الدينية هي السبب؟ الأكيد نعم.

في المجتمع التونسي الذي تمثل مواقع التواصل الاجتماعي صورا مصغرة عنه، صار التشدد هو العنوان، فالمرأة اليوم تتعرض للسب والشتم والهجوم لارتدائها ملابس “غير محتشمة”، ما بالك برسمها وشما وإظهاره، كذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل.

سطوة أفكار تجار الدين، ومن يضعون أنفسهم حراسا على التفكير والعقيدة، ويخاطبوننا على أنهم وحدهم فقهاء في كل ما أرسله لنا الإله من تعاليم وضوابط أخلاقية، غيرت المجتمعات، زرعت فيها بذور التشدد وغابت، فنبتت البذور وبدأت تنبت ثمارا عفنة.

لم تكن تونس تعرف في ما قبل 2010، خلافات واختلافات اجتماعية تصل حتى سب الفرد لكل مختلف عنه، بل كنا نعيش حياة طبيعية، نتقبل فيها كل مختلف عنا، أغلب بناتنا يسرن في المجتمع مكشوفات الرأس بملابس قصيرة أحيانا ولا أحد يدعو لهن بالهداية أو يتهمهن باستعراض مفاتنهن.

اليوم تغير الحال، أغلب عائلاتنا أصبحت متشددة، تنظر للبنات اللواتي رفضن الحجاب بنظرة العاصية التي يجب أن نحثها على التوبة.

أنا مثلا، جدتاي، كانتا جميلتين بأوشامهما، وكلما جلست لإحداهما كنت أسألها عن حكاية الوشم، فكانت تروي لي حكايته، وتعود بذكرياتها إلى ماض بعيد. لم تفكر أي منهما والكثير من النساء، أن ما فعلنه حرام قد يمنعهن من النظر إلى وجه الله، في حين تسارع بناتهن اليوم لتغطية وشوم المرأة المتوفية بالحناء ومنقوع الزعفران كي لا يعذبها الله، من الذي أقنعهن بفعل ذلك؟

لك أن تتخيل، أن أقرر أنا أو غيري من البنات رسم وشوم أمازيغية على وجهونا، بأي غضب وسخرية ونفور سيتقبلنا المجتمع، بدءا من الأسرة وصولا إلى الشارع؟